سورة الأنفال - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)} [الأنفال: 8/ 15- 19].
المقصود من هذه الآيات: يا أيها المصدقون بالله ورسوله، إذا اقتربتم من عدوكم حال كونهم زاحفين نحوكم لقتالكم، أي متقابلي الصفوف والأشخاص فلا تفرّوا منهم أبدا، مهما كثر عددهم، وأنتم قلة، بأن كانوا مثلي أو ضعف المؤمنين، واثبتوا لهم وقاتلوهم، فالله معكم عليهم.
لا يجوز الانهزام أمامهم بحال إلا لمصلحة حربية بأن يتحرف المقاتل لقتال، أي يظهر أنه منهزم، ثم يكرّ أو ينعطف عليه مرة أخرى ليقتله، وهذه مكيدة حربية مشروعة، أو يتحيز المقاتل لفئة أخرى من جماعته، أي ينضم لجماعة إسلامية أخرى تؤيده وتساعده، لمقاتلة العدو معا، وما عدا هاتين الحالتين يحرم الفرار من الزحف أمام العدو، ومن يخالف هذا وينهزم، يرجع مصحوبا بغضب اللّه وسخطه، ومأواه في الآخرة جهنم، وبئس المصير أي المرجع هي. وهذا دليل على أن الفرار من الزحف أمام العدو من كبائر المعاصي، ويؤيده ما جاء في حديث البخاري ومسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات- أي المهلكات- وذكر منها التولي يوم الزحف».
ثم أبان القرآن الكريم أمرا مهما في عقيدة الإسلام في القتال ألا وهي أن المقاتلين لا يستقلون بقتل العدو، وإنما الخلق والاختراع في جميع حالات القتل إنما هي لله تعالى، ليس للقاتل فيها شيء، وإنما هو مجرد وسيلة وأداة، فالفعّال الحقيقي هو اللّه: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} أي إن افتخرتم بقتلهم في بدر، فأنتم لم تقتلوهم بقوتكم وعدتكم، ولكن اللّه قتلهم بأيديكم، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وحقق النصر والظفر لكم.
وسبب نزول هذه الآية: أن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما صدورا (رجعوا) عن بدر، ذكر كل واحد منهم ما فعل، فقال: قتلت كذا، وفعلت كذا، فجاء من ذلك تفاخر، ونحو ذلك، فنزلت الآية: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} أي إن اللّه هو المؤثر الحقيقي الفعال في تحقيق النتائج. وأما فعل البشر فهو القيام بالأسباب الظاهرة المقدورة لهم، التي كلفهم بها ربهم، كجميع أفعال العباد الاختيارية. بل وما رميت به أيها النبي مشركي قريش حين رميت في بدر، ولكن اللّه رماهم.
نزلت هذه الآية حين رمى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر قبضات من حصى وتراب، رمى بها في وجوه القوم وتلقاءهم ثلاث مرات، وقال المشركون: شاهت الوجوه، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
وتكررت هذه الفعلة أيضا يوم حنين. رمى اللّه المشركين وقتلهم ليكبتهم، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا، أي ليعرّف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا حقه وفضله، ويشكروا بذلك نعمته، ويصيبهم ببلاء حسن، أي يختبرهم بما حققه لهم من النصر والغنيمة والعزة. إن اللّه سميع لكل قول، ومنه استغاثتكم ودعاؤكم، عليم بوجه الحكمة في جميع أفعاله، لا إله إلا هو.
ذلكم الأمر المتقدم من قتل اللّه الأعداء ورميه إياهم لإعلامهم أن اللّه موهن كيد الكافرين، أي مضعف كيد الكافرين في المستقبل، ومحبط مكرهم وتدبيرهم ومدمر جميع أوضاعهم.
ثم خاطب اللّه الكفار أهل مكة على سبيل التهكم والسخرية قائلا لهم: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} أي إن تستنصروا وتطلبوا نصر الفئة المحقة على الفئة المبطلة، فقد جاءكم ما سألتم، وتم النصر للأعلى والأهدى، وحدث الهلاك والذلة للأدنى والأضل، ثم حذرهم اللّه وأنذرهم بأنه إن تنتهوا عن الكفر والتكذيب بالله والرسول، وعداوة النبي، فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأجدى من الحرب التي جربتموها وما أحدثت من قتل وأسر، وإن تعودوا لمحاربته وقتاله، وإلى ما كنتم من الكفر والضلالة، نعد إلى نصر النبي وهزيمتكم، ولن تفيدكم جماعتكم شيئا ولو كثرت، لأن الكثرة ليست دائما من وسائل النصر أمام القلة، فقد يحدث العكس، واللّه مع المؤمنين بالنصر والتأييد والتوفيق إلى النجاح، كما قال تعالى: {إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)} [الصافات: 37/ 173].
وجوب الطاعة لله والرسول:
هناك تلازم واضح في شريعة القرآن بين الإيمان أو التصديق بالله تعالى وبرسوله، وبين وجوب طاعة اللّه والرسول، فلا يعقل بحال من الأحوال أن يكون هناك شيء من التناقض أو المخالفة، فكل من آمن بشيء وأحبه وجب عليه طاعته واحترام أوامره، ومما لا شك فيه أن الإيمان مصدر خير، فيكون داعيا إلى كل خير، ومن مستلزمات كون الشيء خيرا الإقبال عليه وملازمته، لذا جاءت الآيات القرآنية مقترنة دائما بين الخطاب بصفة الإيمان وما يدعو إليه ويقتضيه من طاعة الآمر ومحبته، كما في هذه الآيات:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 8/ 20- 23].
يتعهد الحق تبارك وتعالى عباده بالتربية والتوجيه، والتذكير وعقد المقارنات أو الموازنات بين أهل الإيمان وأهل الكفر والعصيان، فإذا كان الشأن في غير المؤمنين ألا يسمعوا لأوامر اللّه ورسوله، وألا يطيعوا مطالبهما، فإن شأن المؤمنين والامتثال والطاعة، تحقيقا للسعادة، وللظفر برضوان اللّه وجنته، لذا أمر اللّه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، وزجر عن مخالفته والتشبه بالكافرين المعاندين.
ومعنى الآية: يا أيها المتصفون بالإيمان، المصدقون بالله والرسول، أطيعوا اللّه والرسول في كل ما دعاكم إليه من أحكام التشريع في الدنيا والآخرة، والدعوة إلى جهاد الأعداء وترك الركون إلى الراحة والمال والشهوات والأهواء. ولا تتركوا الطاعة بحال، فإذا أمركم اللّه بالجهاد وبذل المال وغيرهما، امتثلتم، والحال أنكم تسمعون كلامه ومواعظه، وتعلمون ما دعاكم إليه القرآن من الأحكام والآداب والمواعظ، والمراد بالسماع: هو ما يفيد ويدفع إلى العمل، وهو سماع تدبر وفهم وتأمل في المسموع، وهذا هو شأن المؤمنين، بأن يقولوا: {سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 2/ 285]. وشأن غير المؤمنين أن يقولوا: سمعنا وعصينا.
فاحذروا أن تكونوا مثل غير المؤمنين الذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، وهم المنافقون والمشركون، فإنهم يتظاهرون بالسماع والاستجابة، والواقع أنهم لا يسمعون أبدا.
ثم أخبر اللّه تعالى عن هؤلاء العتاة المتمردين غير السامعين لأوامر اللّه والرسول بأنهم شر الناس أو المخلوقات عند اللّه عز وجل، وأنهم أخس المنازل لديه، وأشبه بالدواب، وشرّ المخلوقات التي تدب على الأرض عند اللّه الصمّ الذين لا يسمعون الحق فيتبعونه، ولا ينطقون بالحق ولا يفهمونه، ولا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والإسلام والكفر، أي فكأنهم لتعطيلهم وسائط المعرفة وهي الحواس التي تكون طريقا للنفع والفائدة والخير، فقدوا هذه القوى والمشاعر المدركة، وهم لو استخدموا عقولهم متجردين عن التقليد والعصبية الجاهلية، لاهتدوا إلى الحق والصواب، وأدركوا الصالح المفيد لهم وهو الإسلام، إلا أنهم في الواقع فقدوا صفة الإنسان، لأنهم لا يعقلون الأمور والمصالح الدائمة، ووصفهم اللّه بالصمم والبكم وسلب العقول.
روي أن هذه الآية نزلت في طائفة من بني عبد الدار، وظاهرها العموم فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بهذه الأوصاف.
ثم أخبر اللّه تعالى بأن عدم سمعهم وهداهم إنما هو بما علمه اللّه منهم وسبق من قضائه عليهم، بما عرفه من اختيارهم وتوجههم. فلو علم اللّه في نفوسهم ميلا إلى الخير والاستعداد للإيمان والاهتداء بنور الإسلام والنبوة لأفهمهم، وأسمعهم بتوفيقه كلام اللّه ورسوله سماع تدبر وتفهم واتعاظ، ولكن لا خير فيهم لأنه تعالى يعلم أنه لو أسمعهم أي أفهمهم، لتولوا عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك، وهم معرضون عنه من قبل ذلك، بقلوبهم والعمل به، فهم في الواقع لا خير فيهم أصلا.
وإذا سلب الإنسان أهليته واستعداده وخواصه في إدراك الخير والعمل بمقتضاه، لم يعد كفئا لأي شيء، ولم يرج منه نفع أو خير، وكان أحق باتصافه بالصفة غير الإنسانية، وهذا هو تشبيه القرآن لهؤلاء بالدواب الذين لا يعقلون ولا يفهمون.
الاستجابة لدعوة القرآن:
القرآن الكريم دعوة صريحة حاسمة للسعادة الدائمة، والحياة الأبدية، لأنه تضمن نظام الدين الذي هو أساس الأنظمة وسبب الفلاح والصلاح وقاعدة التحضر والتمدن والاجتماع الفاضل، ولقد كان القرآن العظيم سبب عزة العرب والمسلمين قاطبة، وباعث نهضتهم وطريق الحفاظ على وجودهم وكرامتهم واستقلالهم، ودحر كل أساليب الاستعمار الحاقد البغيض، قال اللّه تعالى مبينا مقصد القرآن العام:


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)} [الأنفال: 8/ 24- 26].
تتضمن الآيات الأمر القاطع للمؤمنين بإجابة اللّه والرسول بالإصغاء والطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواه، لأن دعوة اللّه والرسول دعوة لما يحييكم حياة طيبة أبدية مشتملة على سعادة الدنيا والآخرة، وفيها صلاحكم وخيركم، وفيها كل حق وصواب، وذلك شامل القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة، والأمر للوجوب، ومن لم يمتثل أحكام القرآن فهو ميت لا حياة فيه، كما قال اللّه تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها} [الأنعام: 6/ 122]. والغارق في الضلال والكفر والجهل ميت مجازا وإن كان في الظاهر حيا.
إن دعوة القرآن دعوة إحياء بالعزة والغلبة والظفر، فسمي ذلك حياة، والحياة العزيزة الكريمة في الدنيا بالتزام أحكام القرآن متصلة بحياة الآخرة. ثم حذر القرآن الكريم من التراخي في طاعة أوامر اللّه ورسوله، فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} أي بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل، وقد أراد بالقلب العقل أي يحول بين المرء وعقله، حتى لا يدري ما يصنع.
وهذا دليل حسي واضح على أن قدرته وإحاطته وعلمه تتداخل بين المرء وقلبه، وتحول بين الإنسان وفكره. والمصير في النهاية أن جميع الناس مجموعون إلى اللّه في الآخرة للحساب.
وبعد هذا التحذير حذر اللّه تعالى من الفتن فقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} أي احذروا الوقوع في الفتنة وهي الاختبار والمحنة التي يعم فيها البلاء المسيء وغيره، ولا يخص بها أهل المعاصي أو مرتكبي الذنوب، بل يعمهم وغيرهم واللّه شديد العذاب لمن عصاه. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: نزلت هذه الآية في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: أمر اللّه المؤمنين ألا يقروا المنكر فيما بينهم، فيعمهم اللّه بالعذاب.
والمراد بها عموم الناس، فالله يريد أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبريء، وهذا وعيد لكل من تأول آية أو حكما قرآنيا، أو خالف هدي اللّه وشرعه.
ثم نبّه اللّه المؤمنين والعرب خاصة قبل الإسلام إلى ما أنعم به عليهم، وعدّد نعمه وإحسانه عليهم، قائلا: واذكروا حالكم حين كنتم قلائل فكثّركم، ومستضعفين خائفين، فقواكم ونصركم، وفقراء فرزقكم من الطيبات، وهذا كان حال المؤمنين قبل الهجرة من مكة إلى المدينة، لقد كان أولئك المؤمنون قلة مستضعفين في مكة، والمشركون أعزة كثرة يذيقون المؤمنين سوء العذاب، وكان المؤمنون خائفين غير مطمئنين، يخافون أن يتخطفهم الناس، أي يأخذهم المشركون بسرعة خاطفة للقتل والسلب، كما كان يتخطف بعضهم بعضا خارج الحرم المكي، كما قال اللّه تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 29/ 67].
ثم امتن اللّه عليكم أيها المؤمنون، فجعل لكم مأوى تتحصنون به في المدينة، وأيديكم، أي أعانكم يوم بدر وغيره بنصره المؤزر، وسيؤيدكم بنصره على من سواكم خارج الجزيرة العربية بالغلبة على الروم والفرس، ورزقكم من الطيبات رزقا حسنا مباركا فيه، وأحل لكم الغنائم، كي تشكروا هذه النعم الجليلة. والغرض من الآيات التذكير بالنعمة لتكون حاملا لهم على إطاعة اللّه وشكر الفضل الإلهي.
تحريم الخيانة وفضل التقوى:
خيانة اللّه والرسول والأمانات العامة والخاصة من أخطر الانحرافات التي تهدد مصير الأمة ووحدتها وإشاعة الثقة فيما بين أبنائها، لذا حذر القرآن الكريم من أنواع الخيانة مطلقا، وألزم الناس بتقوى اللّه، لأن بالتقوى حفاظا على الوجود الإنساني الكريم ونصرا ونجاة، قال اللّه تعالى مبينا تحريم الخيانة وفضل التقوى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7